فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ ابن كثير: {تأمرونّيَ} بتشديد النون وفتح الياء.
وقرأ الباقون بسكون الياء.
وذلك حين دعَوْه إلى دين آبائه {أيُّها الجاهلونَ} أي: فيما تأمُرون.
قوله تعالى: {ولقد أُوحِيَ إِليكَ وإِلى الذين مِنْ قَبْلِكَ} فيه تقديم وتأخير، تقديره: ولقد أُوحِيَ إِليكَ لئن أشركتَ لَيَحْبَطَنَّ عملُكَ وكذلك أُوحيَ إِلى الذين مِنْ قَبْلِكَ.
قال أبو عبيدة: ومجازها مجاز الأمرين اللَّذَين يُخْبَرُ عن أحدهما ويُكَفُّ عن الآخر، قال ابن عباس: هذا أدبٌ من الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم وتهديدٌ لغيره، لأن الله عز وجل قد عصمه من الشِّرك.
وقال غيره: إِنما خاطبه بذلك، لِيَعْرِفَ مَنْ دونَه أن الشِّرك يُحبِطُ الأعمال المتقدِّمة كلَّها، ولو وقع من نبيٍّ.
وقرأ أبو عمران، وابن السميفع، ويعقوب: {لَنُحْبِطَنَّ} بالنون، {عَمَلَكَ} بالنصب.
{بَلِ اللهَ فاعْبُدْ} أي: وَحِّدْ.
قوله تعالى: {وما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} سبب نزولها أن رجلًا من أهل الكتاب أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم، بلغك أن الله تعالى يَحْمِلُ الخلائقَ على إِصْبع والأَرَضِينَ على إِصْبَع والشَّجَر على إِصْبَع والثَّرى على إِصْبع؟! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذُه، فأنزل اللهُ تعالى هذه الآية، قاله ابن مسعود.
وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين نحوه عن ابن مسعود.
وقد فسَّرنا أول هذه الآية في [الأنعام: 91] قال ابن عباس: هذه الآية في الكفار، فأمّا مَنْ آمن بأنه على كل شيء قدير، فقد قَدَرَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ.
ثم ذكر عَظَمته بقوله: {والأرضُ جميعًا قَبْضَتُه يومَ القيامة والسمواتُ مَطْوِيَّاتٌ بيمينه} وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَقْبِضُ اللهُ الأرض يومَ القيامة ويَطْوي السماءَ بيمينه، ثم يقول: أنا الملِك، أين ملوكُ الأرض؟» وأخرجا من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَطْوي الله عز وجل السموات يومَ القيامة، ثم يأخذُهُنَّ بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملِك، أين الجبّارون، أين المتكبِّرون؟» قال ابن عباس: الأرضُ والسموات كلُّها بيمينه.
وقال سعيد بن جبير: السموات قَبْضَةٌ والأَرَضُونَ قَبْضَةٌ.
قوله تعالى: {ونُفِخَ في الصُّور فصَعِقَ} وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري: {فصُعِقَ} بضم الصاد {مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض} أي: ماتوا من الفزع وشِدَّة الصَّوت.
وقد بيَّنّا هذه الآية والخلاف في الذين استُثنوا في سورة [النمل: 87].
{ثُمَّ نُفِخَ فيه أُخْرى} وهي نفخة البعث {فإذا هُمْ} يعني الخلائق {قيامٌ يَنْظُرونَ}.
قوله تعالى: {وأَشْرَقَتِ الأرضُ بنُور ربِّها} أي: أضاءت.
والمراد بالأرض: عَرَصات القيامة.
قوله تعالى: {ووُضِعَ الكتابُ} فيه قولان:
أحدهما: كتاب الأعمال، قاله قتادة، ومقاتل.
والثاني: الحساب، قاله السدي.
وفي الشهداء قولان:
أحدهما: أنهم الذين يَشْهَدونَ على الناس بأعمالهم، قاله الجمهور، ثم فيهم أربعة أقوال: أحدها: أنهم المُرْسَلون من الأنبياء.
والثاني: أمَّة محمد يَشهدونَ للرُّسل بتبليغ الرِّسالة وتكذيبِ الأُمم إِيّاهم، رويا عن ابن عباس رضي الله عنه.
والثالث: الحَفَظَه، قاله عطاء.
والرابع: النَّبيُّون والملائكةُ وأُمَّةُ محمد صلى الله عليه وسلم والجوارح، قاله ابن زيد.
والثاني: أنهم الشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله، قاله قتادة، والأول أصح.
{وُوفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ} أي: جزاء عملها {وهُوَ أَعْلَمُ بما يَفْعَلونَ} أي: لا يَحتاجُ إلى كاتب ولا شاهد.
قوله تعالى: {وسيِقَ الذين كَفَروا إِلى جهنَّمَ زُمَرًا} قال أبو عبيدة: الزُّمَر: جماعاتٌ في تفرقة بعضُهم على إِثر بعض، واحدها: زُمْرة.
قوله تعالى: {رُسُلٌ مِنْكُمْ} أي: من أنفُسكم.
و{كلمةُ العذاب} هي قوله: {لأَملأَنَّ جهنَّمَ} [الأعراف: 18].
قوله تعالى: {فُتِحَتْ أبوابُها} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {فُتِّحَتْ} و{فُتِّحَتْ} مشدَّدتين؛ وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: بالتخفيف.
وفي هذه الواو ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها زائدة، روي عن جماعة من اللُّغويين منهم الفراء.
والثاني: أنها واو الحال؛ فالمعنى: جاؤوها وقد فُتحتْ أبوابُها، فدخلت الواو لبيان أن الأبواب كانت مفتَّحةٍ قبل مجيئهم، وحذفت من قصة أهل النار لبيان أنها كانت مُغْلَقةً قبل مجيئهم، ووجه الحكمة في ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّ أهل الجنة جاؤوها وقد فُتحت أبوابُها ليستعجلوا السُّرور والفرح إِذا رأَوا الأبواب مفتَّحةً، وأهل النار يأتونها وأبوابُها مُغلَقة ليكون أشدَّ لحرِّها، ذكره أبو إِسحاق ابن شاقْلا من أصحابنا.
والثاني: أن الوقوف على الباب المغلق نوعُ ذُلٍّ، فصِينَ أهلُ الجنة عنه، وجعل في حق أهل النار، ذكره لي بعض مشايخنا.
والثالث: أنه لو وَجَدَ أهلُ الجنة بابها مُغلَقًا لأثَّر انتظارُ فَتْحه في كمال الكَرَم، ومن كمال الكَرَم غَلْقُ باب النّار إِلى حين مجيء أهلها، لأن الكريم يعجِّل المثوبة، ويؤخِّر العقوبة، وقد قال عز وجل: {ما يَفْعَلُ اللهُ بِعذابكم إِنْ شَكَرْتُمْ وآمنتُم} [النساء: 147] قال المصنف: هذا وجهٌ خطر لي.
والقول الثالث: أن الواو زِيدتْ لأنَّ أبواب الجنة ثمانيةٌ، وأبواب النار سبعةٌ، والعرب تَعْطِفُ في العدد بالواو على ما فوق السبعة على ما ذكرناه في قوله: {ويَقُولونَ سَبْعَةٌ وثامِنُهم كلَبْهُم} [الكهف: 22] حكى هذا القول والذي قبله الثعلبي.
واختلف العلماء: أين جوابُ هذه الآية؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الجواب محذوف، قاله أبو عبيدة، والمبرِّد، والزجّاج في آخرين.
وفي تقدير هذا المحذوف قولان:
أحدهما: أن تقديره: {حتى إِذا جاؤوها} إِلى آخر الآية سُعِدوا، قاله المبرِّد.
والثاني: {حتى إذا جاؤوها} إِلى قوله: {فادخُلوها خالدين}.
دخلوها، وإِنما حُذف، لأن في الكلام دليلًا عليه، وهذا اختيار الزجاج.
والقول الثاني: أن الجواب: قال لهم خزنتُها، والواو زائدة، ذكره الأخفش.
قال: ومثله في الشِّعر.
فإذا وذلكَ يا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْ ** إِلاَ كَلَمَّةِ حالِمٍ بخَيالِ

أي: فإذا ذلك.
والثالث: الجواب: {حتى إِذا جاؤوها فُتحتْ أبوابُها} والواو زائدة، حكاه الزجاج عن قوم من أهل اللغة.
وفي قوله: {طِبْتُمْ} خمسة أقوال:
أحدها: أنهم إذا انْتَهَوا إِلى باب الجنة وَجدوا عند بابها شجرةً يَخرج من تحت ساقها عينان، فيَشربون من إِحداهما فلا يبقى في بطونهم أذىً ولا قذىً إِلاّ خرج، ويغتَسلون من الأُخرى، فلا تَغْبَرُّ جلودُهم ولا تَشَعَّثُ أشعارُهم أبدًا، حتى إِذا انتَهَوْا إِلى باب الجنة قال لهم عند ذلك خزنتها: {سلامٌ عليكم طِبْتُم} رواه عاصم بن ضمرة عن علي رضى الله عنه، وقد ذكرنا في [الأعراف: 44] نحوه عن ابن عباس.
والثاني: طاب لكم المقام، قاله ابن عباس.
والثالث: طِبْتُم بطاعة الله، قاله مجاهد.
والرابع: أنهم طُيِّبوا قَبْلَ دخول الجنة بالمغفرة، واقتُصَّ من بَعْضِهم لِبَعْض، فلمّا هُذِّبوا قالت لهم الخََزَنَةُ: طِبْتُم، قاله قتادة.
والخامس: كنتم طِّبِينَ في الدُّنيا، قاله الزجاج.
فلمّا دخَلوها قالوا: {الحمدُ لله الذي صَدَقَنا وَعْدَهُ} بالجنة {وأَوْرَثَنا الأرضَ} أي أرض الجنة {نتبوَّأ منها حيثُ نشاء} أي: نَتَّخِذُ فيها من المنازل ما نشاء.
وحكى أبو سليمان الدمشقي: أن أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة قبل الأمم فينزلون منها حيث شاؤوا، ثم تنزل الأُمم بعدهم فيها، فلذلك قالوا: {نتبوَّأ من الجنة حيثُ نشاءُ} يقول الله عز وجل: {فنِعْمَ أَجْرُ العامِلينَ} أي: نِعْمَ ثوابُ المُطِيعِينَ في الدُّنيا الجنة.
قوله تعالى: {وتَرَى الملائكةَ حافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ} أي مُحْدِقِينَ به، يُقال: حَفَّ القومُ بفلانٍ: إِذا أَحْدَقوا به؛ ودخلتْ مِنْ للتوكيد، كقولك: ما جاءني من أحدٍ.
{يُسَبِّحونَ بِحَمْدِ ربِّهم} قال السدي، ومقاتل: بأَمْرِ ربِّهم.
وقال بعضهم: يُسَبِّحونَ بالحمد له حيث دخل الموحِّدون الجنة.
وقال ابن جرير: التَّسبيح هاهنا بمعنى الصَّلاة.
قوله تعالى: {وقُضِيَ بينَهم} أي: بينَ الخلائق {بالحَقِّ} أي: بالعَدْلِ {وقِيل الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ} هذا قول أهل الجنة شُكْرًا لله تعالى على إِنعامه.
قال المفسِّرون: ابتدأ اللهُ ذِكْرَ الخَلْق بالحَمْدِ فقال: {الحَمْدُ لله الذي خلق السموات والأرض} [الأنعام: 1] وختم غاية الأمر وهو استقرار الفريقين في منازلهم بالحمد لله بهذه الآية، فنبَّه على تحميده في بداية كُلِّ أمْرٍ وخاتِمته. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} روي عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية أن ناسًا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا وانتهكوا الحرمات فأتوا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم فقالوا يا محمد إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا بأن لما عملنا كفارة فنزلت {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر إلى قوله فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} قال يبدل شركهم إيمانًا وزناهم إحصانًا ونزلت {قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} أخرجه النسائي.
وعن ابن عباس أيضًا قال بعث رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام فأرسل إليه كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلق أثامًا يضاعف له العذاب وأنا قد فعلت ذلك كله فأنزل الله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا} فقال: وحشي هذا شرط شديد لعلي لا أقدر عليه فهل غير ذلك فأنزل الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فقال وحشي أراني بعد في شبهة فلا أدري أيغفر لي أم لا فأنزل الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} فقال وحشي نعم هذا فجاء فأسلم وعن ابن عمر قال نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفًا ولا عدلًا أبدًا قوم أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا به فأنزل الله تعالى هذه الآية فكتبها عمر بن الخطاب بيده ثم بعث بها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا جميعًا وهاجروا.
وعن ابن عمر أيضًا قال كنا معشر أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم نرى أو نقول ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة حتى نزلت {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} فلما نزلت هذه الآية قلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا الكبائر والفواحش قال فكنا إذا رأينا من أصاب شيئًا منها قلنا هلك فنزلت هذه الآية فكففنا عن القول في ذلك وكنا إذا رأينا من أصحابنا من أصاب شيئًا من ذلك خفنا عليه وإن لم يصب منها شيئًا رجونا له وقوله: {أسرفوا على أنفسهم} أي تجاوزوا الحد في كل فعل مذموم قيل هو ارتكاب الكبائر وغيرها من الفواحش {لا تقنطوا من رحمة الله} أي لا تيأسوا من رحمة الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله من الكبائر {إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم} فإن قلت حمل هذه الآية على ظاهرها يكون إغراء بالمعاصي وإطلاقًا في الإقدام عليها وذلك لا يمكن.
قلت المراد منها التنبيه على أنه لا يجوز أن يظن العاصي أنه لا مخلص له من العذاب، فإن اعتقد ذلك فهو قانط من رحمة الله إذ لا أحد من العصاة إلا ومتى تاب زال عقابه وصار من أهل المغفرة والرحمة فمعنى قوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعًا} أي إذا تاب وصحت التوبة غفرت ذنوبه ومن مات قبل أن يتوب فهو موكول إلى مشيئة الله تعالى فإن شاء غفر له وعفا عنه وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم يدخله الجنة بفضله ورحمته فالتوبة واجبة على كل أحد وخوف العقاب مطلوب فلعل الله تعالى يغفر مطلقًا ولعله يعذب ثم يعفو بعد ذلك والله أعلم.
فصل في ذكر أحاديث تتعلق بالآية:
روى ابن مسعود أنه دخل المسجد فإذا قاصّ يقص وهو يذكر النار والأغلال فقام على رأسه فقال لم تقنط الناس ثم قرأ {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا} عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم يقول {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا} ولا يبالي أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن غريب ق.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال «كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانًا ثم خرج يسأل هل له توبة فأتى راهبًا فسأله فقال هل لي من توبة قال لا فقتله وجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فضرب صدره تخوفًا فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينها فوجد أقرب إلى هذه بشبر فغفر له» لفظ البخاري ولمسلم قال «فدل على راهب فأتاه فقال له إن رجلًا قتل تسعة وتسعين نفسًا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة، ثم سال عن أعلم أهل الأرض فدلَّ على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة قال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وإلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض الذي أراد فقبضته ملائكة الرحمة» ق عن أبي هريرة قال: {وأنيبوا إلى ربكم} أي ارجعوا إليه بالتوبة والطاعة {وأسلموا له} أي أخلصوا له التوحيد {من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون} أي لا تمنعون منه {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} يعني القرآن لأنه كله حسن ومعنى الآية على ما قاله الحسن الزموا طاعة الله واجتنبوا معصيته فإنه أنزل في القرآن ذكر القبيح ليجتنب وذكر الأدون لئلا يرغب فيه وذكر الأحسن لتؤثره وتأخذ به وقيل الأحسن إتباع الناسخ وترك العمل بالمنسوخ {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} يعني غافلين عنه.